العيش مع الخوف
أهلع كل ليلة. نشأت مع الخوف، كلما خرجت من المنزل أو حلّ الليل، من البعبع، بعبع أمي والبلد، الطيران، قصف دمشق، الذي أقنعوني أنه اسرائيل تستهدف إيرانيين ولن يصيبنا، لكنه لم يكن كذلك. كنت أركض كلما خرجت ودخلت من البناية إلى المدرسة هرباً من أمام باب المصعد المدمر بقذيفة. كان يرعبني، يرعبني. قضيت عامين بلا نوم، عامين من ليال عنوانها الرجفان والرعشة العصبية.
أقضي ليلاتي اليوم بشكل مشابه. أستلقي على ديفون جدتي، أو في سريري وحيدة في غرفة شاسعة. ينتفض قلبي ويتسرع عندما يهدأ الحي، يرتقب عقلي الباطن أصوات هجوم، صيحات وتكبيرات، رعب، أبذل جهداً عظيماً في إخراسه، ونادراً ما أنجح. حين يضجّ الحيّ، ينتفض جسدي مع كل ضحكة أو خناقة، مع كل مرة يجرّ جيراننا فيها الطاولة، مع كل صوت عالٍ من مسلسل، أرتجف بالكامل حتى أغفو من التعب.
كيف أسامح؟ كيف أقبل؟ كيف أحافظ على اتزاني؟ كيف أرضي طموحاتي؟ أفتح مقاطع من مسلسلات أجنبية، وأبكي. لم يعرف هؤلاء شيئاً عن كل هذا. يجلسون في غرفة، ويشعرون بأمان. أمان! ينامون ملء مآقيهم، يفكرون في مستقبل، يخططون، يعملون، يعيشون. أبكي من التوق لهذا، وأبكي لمعرفتي أنني حتى لو حصلته يوماً لن أرتاح. ماذا يعني أن تأمن بعد خوف؟
مع كل نفس أرى فيه أبي مهموماً مثقلاً بكل شيء أختنق لأنني عاجزة عن فعل أي شيء إضافي. كلما نظرت إلى تاتا، التي قضت حياتها تجمع قرشاً فوق قرش وحدها تماماً لتؤمن في شيخوختها بيتاً تستتر فيه ولا تحتاج أحداً، أبكي وأعجز.
أذكر دعائي في دمشق كل ليلة، دعاء عقلي الخارج عن تحكمي، أذكر أن صراعاً ضخماً كان فيه حتى في أوقات القصف "أأدعو ألا يصيبنا؟ لكن لو فعلت سيصيب غيرنا، لكن لا أستطيع التضحية بأهلي" فتعلمت حينها أن أدعو أن يحصل ما يراه الله مناسباً، كان ضميري مرتاحاً
اليوم عقلي يعجز عن الدعاء. يهلع، وينطفئ. لا مراحل أخرى. في صغري كان طيف الحبّ وترقبه يدفعني، يقويني، لكنه لا يفعل اليوم، لا أجد اليوم حولي سوى الأنانية والضعف. أحاول أن أحافظ على نفسي طبيعية بجوهري وأرفض تماماً أن أقول أنني أعجز. أحاول كثيراً وأشعر أنني حمقاء لأنني أحاول.
Comments
Post a Comment